حجم الخط + -
1 دقيقة للقراءة

في البصرة، المدينة التي تعرف كيف تبكي أبطالها وتزف شهداءها كما يزف العرسان، لا تمرّ ليلة القاسم بن الحسن (عليه السلام) عابرة. هنا، حيث يمتزج ماء شط العرب بدموع الأمهات، وحيث تنمو الحكايات بين الأزقة القديمة كأشجار الصبر، يُحيي البصريون ذكرى الفتى الهاشمي ناصر الحسين عليه السلام الذي مضى على بصيرة إلى الميدان، وزُفّ إلى الشهادة عريسا تتقدمه الزهور وترافقه الزفرات. في البصرة، حين يصدح الرادود: “يمة ذكريني من تمر زفة شباب”، لا يُسمع صوته فقط، بل تُسمع نبضات القلوب المكلومة التي تجد في هذا المصاب عزاءها بشباب هبوا لنصرة العراق.

طقوس خالدة

في أحياء البصرة العتيقة وحديثها، تنتشر المواكب الحسينية التي أعدّت مراسيم “زفة القاسم”، حيث يتقدم الأطفال والشباب مرتدين الملابس البيضاء في مشهد يُحاكي العرس الرمزي.

ويُعد “العرس الرمزي” من الطقوس المتجذرة في وجدان البصريين، إذ يُزيّن حصان أبيض بالزهور ويركبه طفل يرتدي ملابس القاسم (عليه السلام) في مشهد يختلط فيه الحزن بالفخر، ويروي حكاية براءة الطفولة التي ذُبحت ظلمًا في كربلاء.

وفي الحسينيات والمساجد، أقيمت المجالس التي استعرض فيها الخطباء سيرة القاسم (عليه السلام) ومواقفه المشرقة، مؤكدين على دروس الطاعة والإيثار والشجاعة، ومستلهمين من هذه الواقعة الخالدة معاني التضحية لأجل الحق.

القاسم.. وشباب البصرة اليوم

في قلوب البصريين، لم تكن الليلة استذكارا للتاريخ فقط، بل كانت تجديدا للعهد مع الشهداء، حين تذكّروا أبناءهم الذين ساروا على خطى القاسم (عليه السلام) ولبّوا نداء المرجعية الدينية العليا وهم يدافعون عن العراق في معارك التحرير ضد تنظيم داعش الإرهابي وارتقوا شهداء في ريعان شبابهم.

فبين دموع الأمهات التي سالت على فراق القاسم في كربلاء، ودموع أمهات البصرة اللواتي ودّعن أبناءهن على عتبات ساحات القتال، يتلاقى التاريخ بالحاضر، لتتشكل ملحمة واحدة عنوانها الإيمان والبطولة.

استمرار الرسالة

ويؤكد المعزون أن ذكرى القاسم (عليه السلام) ستبقى شعلة متقدة تنير درب الأجيال القادمة، وأن دماء الشهداء، سواء على أرض كربلاء أو في معارك العراق الحديثة، ستظل تصنع النصر وتحفظ الكرامة وتصون الهوية.

وفي ختام الليلة، يردد الرادود وسط دموع الحضور:
“يمة ذكريني من تمر زفة شباب… واحجي عليهم دوم لو راحوا غياب”، في مشهد مؤثر يُجسد تواصل الرسالة واتحاد القلوب بين شهداء كربلاء وشهداء العراق المعاصر.