بدا المشهد مألوفاً، لكن هذه المرة أكثر استفزازاً، عندما لوح نجل مسؤول رسمي، بالنفوذ، لإخضاع مؤسسة أكاديمية لإرادة “المكتب”، لا لقواعد القانون.
الواقعة التي فجّرت غضباً واسعاً جاءت من جامعة البصرة، بعد تسريب تسجيل صوتي قيل إنه يعود إلى حسين الحيدري، نجل النائب في البرلمان علاء الحيدري، وهو يتحدث بحدّة وتهديد لعميد كلية الإدارة والاقتصاد، على خلفية رفضه طلباً يتعلق بمنح موظفة إذناً لدراسة الماجستير خارج البلاد.
بصمة التهديد.. وسلطة غير رسمية
التسجيل المسرّب، الذي انتشر سريعاً على مواقع التواصل، كشف لهجة غير معتادة في التخاطب بين شخصية مرتبطة بمؤسسة تشريعية، وعميد أكاديمي يفترض أنه يتمتع باستقلال في قراراته.
حسين الحيدري، الذي يشغل منصب مدير مكتب والده النائب، توعد في التسجيل بـ”نقل أو إقالة العميد” لأنه لم يُنفذ طلباً يحمل توقيع وزير التعليم العالي، ويدعمه الحيدري شخصياً.
وبرر نجل النائب موقفه بالقول إن ما جرى هو تجاهل واضح للجهود المبذولة في “متابعة شؤون المواطنين”.
من الآباء إلى الأبناء.. توريث النفوذ الناعم
لم تكن هذه الحادثة الأولى التي تضع أبناء المسؤولين تحت المجهر. بل إنها أعادت إلى السطح نقاشاً أوسع حول ما بات يُعرف بـ”النفوذ الوراثي”، حيث يمارس الأبناء سلطة غير رسمية، يتدخلون في التعيينات، ويؤثرون على قرارات تنفيذية، ويتعاملون مع المسؤولين والمؤسسات وكأنهم أصحاب قرار.
ولأن كثيراً منهم لا يحملون صفة رسمية سوى كونهم “أبناء” أو “مديري مكاتب”، فإن مساءلتهم تكون أشد تعقيداً، وغالباً ما تمر التجاوزات بصمت أو يتم تبريرها بأنها “تصرف فردي”.
قانونياً.. شكوى تفتح الباب للمحاسبة
وعلى خلفية ما جرى في جامعة البصرة، قدّم عميد الكلية، عبر ممثله القانوني، شكوى رسمية أمام محكمة تحقيق البصرة الثالثة ضد حسين الحيدري، مطالباً باتخاذ الإجراءات القانونية بحقه.
في الوقت ذاته، تعالت أصوات أكاديمية وقانونية تطالب بإخضاع أبناء المسؤولين للمساءلة، خصوصاً حين يمارسون ضغوطاً أو تهديدات على مؤسسات الدولة، دون أي غطاء قانوني أو منصب رسمي يخولهم ذلك.
بين منصب الأب وسلطة الابن.. من يضع الحدود؟
على منصات التواصل الاجتماعي، كان السؤال الأكثر تداولاً:
“إذا كان هذا تصرفه بصفته مدير مكتب، فماذا لو تقلّد منصباً رسمياً؟”
فقد رأى كثيرون أن هذه الحادثة تكشف عمق الإشكال البنيوي في الدولة العراقية، حيث النفوذ لا يُمارَس فقط من خلال المناصب، بل أيضاً من خلال الصلات العائلية والانتماءات السياسية.
ويرى مراقبون أن استمرار الصمت الرسمي عن مثل هذه التجاوزات يعزز فكرة “النفوذ بالوراثة”، ويُضعف ثقة الشارع بمؤسسات الدولة.
هل تُكسر القاعدة أخيراً؟
قد تكون حادثة نجل النائب الحيدري فرصة لاختبار جدية الدولة في فرض القانون على الجميع.
فالكثير من العراقيين، الذين استقبلوا التسجيل بغضب وسخرية، لا يريدون سوى إجابة واحدة من: هل المال والبنون هما الطريق إلى السلطة، أم أن الدولة قادرة على حماية هيبتها من الجميع.