مع اقتراب موعد انطلاق الحملة الانتخابية، تحولت شوارع بغداد وعدد من المحافظات إلى ساحة مبكرة لحرب دعائية مخالفة للقانون، حيث بادر عدد من المرشحين إلى نشر صورهم وشعاراتهم السياسية قبل الموعد الذي حددته من مفوضية الانتخابات.
وبرغم وضوح التعليمات التي تمنع أي نشاط دعائي قبل إطلاق الحملة رسمياً، إلا أن كثيراً من المرشحين لم يجدوا ضيراً في مخالفة تلك التعليمات في محاولة لحجز مواقع بارزة على الأرصفة أو واجهات المباني، وحتى أسطح المنازل، وكأنها “معركة وجود” لا بد من كسبها مبكراً.
بعد نفسي.. الخوف من التلاشي
يرى مختصون في علم النفس والسلوك الانتخابي أن الدافع الأساسي وراء قيام المرشحين بمخالفة القوانين يعود إلى “هاجس الظهور المبكر”، إذ يخشى المرشح أن يسبقه الآخرون في السيطرة على المساحات الحيوية، فيفقد فرصته في لفت انتباه الناخب.
هذا السلوك يعكس ـ بحسب المحللين ـ شعوراً عميقاً بعدم الثقة بآليات التنافس العادل، والاعتقاد بأن الصورة والشعار المعلّق منذ وقت أبكر يمنحان صاحبهما أفضلية في ذاكرة الناخب، حتى لو كان ذلك على حساب القانون.
غرامات بحق أسماء بارزة
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أعلنت عن فرض غرامات مالية وصلت إلى مليوني دينار بحق عدد من المرشحين لمخالفتهم ضوابط الدعاية.
وشملت القائمة شخصيات سياسية بارزة مثل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والنائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، إلى جانب عدد من المرشحين الآخرين من مختلف الكتل والتحالفات.
تشوه بصري واستياء شعبي
وإزاء هذه الدعايات الانتخابية المبكرة أرب مواطنون عن استيائهم من مشاهد “الفوضى الدعائية” المبكرة، معتبرين أن من يخرق القوانين في الدعاية قد يكرر الأمر نفسه حين يتسلم المسؤولية.
وتساءل المواطنون عن إمكانية ثقتهم بمرشحين صورهم تغزو الأرصفة قبل الأوان، ومدى احترام هؤلاء المرشحين للقانون إذا ما وصلوا إلى البرلمان.
التعليمات واضحة.. لكن الالتزام غائب
المفوضية كانت قد أصدرت تعليمات صارمة، تنص على أن الحملة الانتخابية لا تبدأ إلا في المدة المحددة رسمياً، وتحظر استخدام المباني الحكومية، أو الجوامع، أو المدارس لأغراض دعائية، فضلًا عن فرض عقوبات مالية على المخالفين.
غير أن ما يجري في الواقع يعكس أن هذه التعليمات كثيراً ما تُقرأ بوصفها “إرشادات مرنة” يمكن تجاوزها بارادة واستعداد لدفع غرامتها المالية.
سباق النفوذ أم سباق البرامج؟
المشهد الحالي يثير تساؤلات أوسع لدى الشارع العراقي: هل تحولت الانتخابات إلى سباق على الأرصفة واللافتات بدل أن تكون ساحة للتنافس على البرامج والرؤى؟
بينما تصرّ المفوضية على أن القانون سيُطبق على الجميع بلا استثناء، يظل المواطن العراقي مترقباً، متسائلاً عمّا إذا كان هذا التشدد سيستمر حتى يوم الاقتراع، أم أن النفوذ السياسي سيفرض كلمته في النهاية.