في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من خمسة ملايين مواطن في البصرة على وقع أزمة مائية خانقة، تتفاقم يوما بعد آخر بفعل المد الملحي وتلكؤ مشاريع التحلية وتدهور البُنى التحتية، تتحرك الحكومة الاتحادية بكامل ثقلها نحو إقليم كردستان، لمعالجة ملف الرواتب والإيرادات، عبر لجنة وزارية رفيعة المستوى وبتوجيه مباشر من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
بيان حكومي عاجل… ولكن للإقليم
تحرك الحكومة لم يكن حده من أصار المفارقة ولكن مستوى اللجنة المشكلة وعدد الأعضاء وسرعة الاستجابة كلها تضع علامات استفهام كثيرة في ذهن المواطن البصري الذي أنهكه العطش.
حيث جاء في بيان للمكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وتابعته “الراية” توجيه بتشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط، وعضوية وزراء الإعمار، والتعليم العالي، والعدل، والصحة، لبحث ملف إيرادات إقليم كردستان النفطية وغير النفطية، ورواتب موظفي الإقليم وتوطينها، بناءً على ورقتين مقدمتين من الجهات المعنية الاتحادية والإقليمية.
وبحسب البيان فإن اللجنة ستتولى دراسة المقترحات والتفاوض بشأنها، لتقديم توصياتها إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب، في أقرب وقت ممكن.
استجابة مدفوعة؟
هذه الاستجابة، التي تبدو منسقة وسريعة ومن أعلى المستويات، تعكس حرصًا سياسيا واضحا على إرضاء الإقليم أو تسوية خلافات مركزية، بينما تغيب ذات المنهجية والاهتمام عن المحافظات الجنوبية، وعلى رأسها البصرة.
البصرة بين الملوحة والإهمال
وعلى النقيض تماما فما تزال البصرة تعاني من تفاقم أزمة الملوحة وتدهور مياه الشرب وغياب المشاريع الفعلية رغم مرور أشهر على إدراج “مشروع التحلية الكبرى” في خطط الحكومة.
إذ إن أكثر من خمسة ملايين مواطن مهددون بالعطش، وبتلوث المياه، وانهيار الزراعة، وسط عجز حكومي واضح عن تنفيذ أي مشروع تحلية استراتيجي.
فيما لم تتجاوز مشاريع مهمة مثل “البدعة” و”تحلية مياه البحر في الفاو” حدود التصريحات والتصاميم، رغم تخصيص مليارات الدنانير لها في أكثر من موازنة.
وحتى زيارة رئيس الوزراء الأخيرة للبصرة قبل أيام، والتي أعلنت خلالها “استراتيجية تدخل عاجلة”، لم تتجاوز حتى الآن حدود الإعلام، دون لجنة تنفيذية واضحة أو سقف زمني صارم.
تحرك للإقليم… وانتظار في الجنوب
الفرق في التعامل ليس مجرد صدفة زمنية، بل تجلٍ لفهم مقلوب لأولويات الدولة:
ففي كردستان: تتحرك الحكومة عبر لجنة وزارية تضم وزارات أساسية وتُعطى مهام محددة.
اما في البصرة: لا تزال الحكومة تكتفي بالوعود العامة والخطط الورقية، رغم تفاقم الوضع إلى مستوى الأزمة الإنسانية.
وبينما تُخصّص فرق وزارية وتجري مفاوضات مباشرة مع حكومة الإقليم، فإن البصرة تُترَك لمصيرها، رغم أنها المصدر الأول لثروات العراق النفطية.
مراقبون: ازدواجية التعامل الحكومية مقلقة
ويرى مراقبون أن ما يحصل يعكس ازدواجا واضحا في المعايير الحكومية، حيث يُتعامل مع ملف كردستان بمسؤولية سياسية وإدارية عالية، بينما يتم تجاهل ملف البصرة رغم طابعه الإنساني والبيئي الحاد.
ويؤكد المراقبون أن “الحكومة تتعامل مع البصرة كخزان للثروات، لا كمدينة لها سكان وحقوق، ولو كانت الأزمة الحالية في أي محافظة أخرى غير الجنوب، لرأينا استنفارا حكوميا ولجانا دائمة.
أصوات البصرة: كفى تجاهلًا!
ناشطون بصريون ومراقبون وصفوا هذا التباين بأنه “نهج مقصود” يهمّش الجنوب ويُرضي الإقليم، مطالبين الحكومة بتشكيل لجنة أزمة فورية للبصرة لا تقل أهمية عن تلك المُشكَّلة لكردستان، تُتابع المشاريع المائية وتحاسب الجهات المتلكئة، وتمنح الأولوية القصوى لمشاريع التحلية.