حجم الخط + -
2 دقائق للقراءة

أكد رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، أن اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله، الموقعة بين العراق والكويت بتاريخ 29 نيسان 2012، تعد معالجة فنية وإدارية لآثار جريمة غزو نظام صدام حسين للكويت عام 1990، ولا تمس الحدود السيادية.

وأوضح القاضي زيدان في تصريحات تابعتها “الراية” أن “ترسيم الحدود بين البلدين حسم بموجب قرار مجلس الأمن رقم 833 لسنة 1993، الذي نص في مادته السادسة صراحة على أن الاتفاقية “لا تؤثر على الحدود بين الطرفين في خور عبد الله المقررة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 833 لسنة 1992”.

وأضاف أن “الاتفاقية أصبحت ملزمة قانونا بعد دخولها حيز التنفيذ، بالاستناد إلى مبدأ pacta sunt servanda، أحد المبادئ الراسخة في القانون الدولي، والذي يعني حرفيا “يجب احترام المعاهدات” أو “الوفاء بالالتزامات”، في حين استكملت إجراءات التصديق في مجلس الأمة الكويتي بصورة رسمية”.

وبيّن زيدان أن “المحكمة الاتحادية العليا قررت رد الدعوى المقامة ضد الاتفاقية، لعدم استنادها إلى أساس دستوري أو قانوني، وهو ما ثبت شرعية الاتفاقية داخليا، وأغلق الباب أمام أي طعن لاحق قد يقدم ضدها”. لكن، وفي خطوة مفاجئة، أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا جديدا في 4 أيلول 2023، قضت فيه بعدم دستورية القانون رقم 42 لسنة 2013، الذي صادقت بموجبه الحكومة العراقية على الاتفاقية، مستندة إلى وجوب التصويت عليها بأغلبية الثلثين، وليس بالأغلبية البسيطة.

وحذر زيدان من أن تطبيق شرط “أغلبية الثلثين” بأثر رجعي، وفق ما تبناه القرار الثاني لسنة 2023، يعني عمليا اعتبار أكثر من 400 اتفاقية دولية سبق أن صوت عليها البرلمان بالأغلبية البسيطة، باطلة لعدم استيفائها النصاب الجديد، ما ينذر بـ”نسف منظومة الاتفاقيات الدولية” التي أبرمها العراق طيلة العقدين الماضيين.

وأشار زيدان إلى أن العدول في النظام التشريعي العراقي هو أداة قانونية استثنائية، لا تمارس إلا بشروط صارمة، وقد حصرها المشرع في المادة (13/أولا/1) من قانون التنظيم القضائي بالهيئة العامة لمحكمة التمييز الاتحادية، دون سائر المحاكم، وبشروط جوهرية، منها:

  • أن يرد العدول على مبدأ قضائي مجرد لا على حكم قطعي.
  • أن يحال الملف من إحدى الهيئات التمييزية إلى الهيئة العامة.
  • أن يصدر قرار معلل يبين الحاجة الملحة للعدول.
  • عدم المساس بالمراكز القانونية والحقوق المكتسبة.

وأضاف أن “هذا التقييد القانوني يحفظ استقرار التعاملات القانونية ويحمي مبدأ حجية الأحكام المنصوص عليه في المادة (105) من قانون الإثبات، ويمنع أي سلطة قضائية من تبديل نتائج النزاعات بحجة التطوير أو الإصلاح”.

واعتبر زيدان أن “المحكمة الاتحادية لا تملك أي صلاحية دستورية للعدول، إذ لا يوجد في الدستور ولا في قانون المحكمة ما يمنحها هذا الحق، ومع ذلك أدرجت المحكمة نصا موضوعيا في نظامها الداخلي – المادة (45) – يتيح لها العدول عن مبادئ سابقة كلما اقتضت المصلحة الدستورية والعامة، وهو تصرف يتجاوز الطبيعة الإجرائية للأنظمة الداخلية، ويخالف مبدأ تدرج القواعد القانونية، كون النظام الداخلي أدنى مرتبة من القانون ولا يجوز استخدامه لتوسيع الاختصاصات”.

وأضاف زيدان أن “الأخطر من ذلك، أن المحكمة في قرارها بتاريخ 4 أيلول 2023 لم تتراجع عن مبدأ قضائي بل نقضت حكما قطعيا صدر عنها بتاريخ 18 كانون الأول 2014 بشأن اتفاقية خور عبد الله، ووصفت ذلك بـ”العدول”، وهذا يعد خرقا صريحا للقانون”.

وبيّن أن “المادة (45) نفسها تنص على أن العدول يرد على “المبدأ” لا على “الحكم”، وبالتالي فإن ما جرى يعد تجاوزا لمبدأ حجية الأمر المقضي فيه، وأدى إلى إحداث فراغ تشريعي واضطراب دبلوماسي، خصوصا أن الحكم القطعي الملغي كان يؤسس لالتزام معاهدي دولي مودع لدى الأمم المتحدة”.

وأكد زيدان أن “أي قرار يطلق عليه “عدول” خارج هذه الضوابط، خصوصا إذا مس حكم نهائي أو صدر عن جهة لا تملك الصلاحية، يعد لغوا قانونيا لا يعتد به، ويلحق ضرر مباشر بمبدأ سيادة القانون ويفقد المتقاضين ثقتهم بالقضاء”.

وختم زيدان بالتأكيد على أن “القرار القضائي الصادر سنة 2014 اتسم بالانسجام مع النصوص الدستورية والقانون الدولي، وحقق يقينا قانونيا داخليا وخارجيا، في حين أن القرار الثاني الصادر سنة 2023 افتقر للأساس الدستوري والقانوني وأثار تداعيات خطيرة قانونيا ودوليا”.