في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه العراق، يجد المتقاعدون أنفسهم وسط أزمة تتعلق بتأخر صرف رواتبهم، هذه الرواتب التي تمثل مصدر دخل أساسي لشريحة كبيرة من المجتمع، أصبحت مصدر قلق مستمر، إذ يطرح تأخرها تساؤلات حول كفاءة إدارة المالية العامة وقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، وفيما تؤكد الجهات الرسمية أن المشكلة فنية ومؤقتة، يرى خبراء اقتصاديون أن الخطر يتجاوز مجرد التأخير، ويشكل انعكاسًا لأزمات هيكلية أوسع تتعلق بالاعتماد الكبير على إيرادات النفط وسوء توزيع الموارد.
بين التصريحات الرسمية والواقع الميداني
تؤكد وزارة المالية أن تأخر صرف رواتب المتقاعدين يعود لأسباب فنية بحتة مرتبطة بأنظمة الصرف والتحويلات المصرفية، مع تشديدها على أن الأموال “مؤمّنة ومرصودة مسبقًا ضمن الموازنة العامة”.
في المقابل، يشير مراقبون إلى أن الأزمة تعكس نقص السيولة في الخزينة العامة، نتيجة اعتماد الحكومة شبه الكامل على الإيرادات النفطية.
هذا الرأي يدعمه خبراء اقتصاديون من البنك الدولي، الذين يشيرون إلى أن الاعتماد الأحادي على النفط يجعل الإيرادات عرضة لتقلبات السوق العالمية، مما يهدد استقرار دفع الرواتب بانتظام.
أزمة قد تشمل الجميع
لم تعد مشكلة تأخر الرواتب مقتصرة على المتقاعدين فحسب، بل باتت تمتد لتشمل جميع موظفي الدولة في العراق.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن التأخير يعكس أزمة هيكلية في المالية العامة، ناجمة عن الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية وتقلباتها، إضافة إلى ضعف السيولة في الخزينة.
المراقبون حذروا من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى آثار اقتصادية واجتماعية واسعة، تشمل تعطيل الاستقرار المالي للأسرة العراقية وفقدان الثقة في المؤسسات الحكومية.
تساؤلات ومخاوف
يطرح تأخر الرواتب تساؤلات حول قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين، وتخوفات من أن تصبح هذه الظاهرة شبه دائمة. المخاوف تشمل:
• ارتفاع الأعباء المعيشية على المتقاعدين الذين يعتمدون على هذه الرواتب بشكل كامل.
• إمكانية تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية في حال تكرار التأخير.
• تأثير الأزمة على الثقة العامة في المؤسسات المالية والإدارية الحكومية.
التطمينات الرسمية
في محاولة لتهدئة الأوضاع، أعلنت وزارة المالية أنها تعمل على تهيئة وتجهيز السيولة المالية اللازمة لصرف الرواتب، مؤكدة الالتزام بصرف الرواتب في أقرب وقت، وأعطت موعدًا نهائيًا للصرف خلال أيام الأسبوع المقبل.
كما أشارت الوزارة إلى اتخاذ إجراءات لضمان انسيابية الدفع مستقبلاً، مع تطوير أنظمة الصرف والتحويل المصرفي لتجنب الأعطال الفنية.
تحذير من استغلال الأزمة انتخابياً
حذرت وزارة المالية من استغلال موضوع تأخر صرف الرواتب في الحملات السياسية أو استخدامه كأداة للتسقيط في ظل قرب الانتخابات المقبلة.
وأكدت الوزارة أن عملها “مالي وإداري بحت” يستند إلى الموازنة والقوانين النافذة، ولا يخضع لأي اعتبارات سياسية.
بينما تحاول الحكومة تقديم التطمينات، تبقى المخاوف حقيقية على أرض الواقع. تأخر الرواتب يعكس أزمات مالية هيكلية تتطلب إصلاحات عاجلة، ويضع الحكومة أمام اختبار لقدرتها على إدارة الموارد بفاعلية وضمان حقوق المتقاعدين وجميع موظفي الدولة. يبقى الأمل معقودًا على تنفيذ حلول مستدامة تضمن عدم تكرار هذه الأزمة وتعيد الثقة في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها.