إلى الواجهة من جديد عاد ملف تحويل قضاء الزبير إلى محافظة مستقلة عن البصرة بعد توجيه من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى وزارة التخطيط بالمضي في الإجراءات الرسمية اللازمة للتحويل، لكن سرعان ما أُلغي التوجيه في كتاب ثانٍ صدر بعد أقل من 24 ساعة، لتظل قضية الزبير معلقة، وتفتح باب التساؤلات حول مستقبل المشروع وتداعياته على وحدة البصرة والعراق ككل.
البرلمان يفتح الطريق للتحويل
بدأ الملف عملياً في آذار 2025، عندما وافقت رئاسة مجلس النواب على إدراج طلب تحويل الزبير إلى محافظة ضمن جدول أعمالها، بعد حملة نيابية قادها النائب رفيق الصالحي، وحصل الطلب على أكثر من 83 توقيعاً من النواب، وفق وثائق رسمية، وفي نيسان ارتفع عدد النواب الداعمين للمقترح إلى نحو 100، ما أعطى زخماً للطلب وفتح الباب أمام الحكومة لدراسة الجوانب القانونية والإدارية والاقتصادية لاستحداث المحافظة.
رفض محلي صريح
أعلن محافظ البصرة أسعد العيداني رفضه القاطع لأي خطوة لتقسيم المحافظة، وقال في تصريحات رسمية إن “انتزاع الزبير من البصرة يشبه شطر المحافظة إلى نصفين، وهذا لن يخدم السكان ولا الإدارة المحلية”.
كما صوّت مجلس محافظة البصرة في جلسة استثنائية رقم 35 بالأغلبية ضد المشروع، مؤكداً أن الوقت غير مناسب لمثل هذه الخطوة وأن المحافظة بحاجة إلى تعزيز وحدتها الإدارية وتحسين الخدمات بدلاً من الانشغال بإجراءات تقسيمية قد تضر بالمصلحة العامة.
التوجيه ثم الإلغاء
في 9 أيلول 2025، أصدر رئيس الوزراء السوداني توجيهاً إلى وزارة التخطيط، يقضي بالبدء في الإجراءات اللازمة لاستحداث محافظة الزبير، مع التأكيد على أن الخطوة تأتي استناداً إلى طلب النواب وتواقيعهم.
إلا أن هذا التوجيه لم يدم سوى يوم واحد، حيث صدر يوم الأربعاء كتاب جديد من مكتب رئيس الوزراء يلغي التوجيه السابق تماماً، ويوقف أي إجراءات مرتبطة به، ما أعاد الملف إلى نقطة البداية.
العيداني يرد مجددا
وإزاء هذا التطور سارع محافظ البصرة أسعد العيداني إلى نشر تصريح صحفي قلل فيه من الأهمية والتأثير الذي سيترتب على توجيه رئيس الوزراء فيما يتعلق بتحويل قضاء الزبير إلى محافظة، العيداني شدد على أن الزبير سيبقى دائماً جزءاً من البصرة لغياب الأدوات القانونية التي يستوجبها الانفصال.
موقف النائب رفيق الصالحي
رداً على إلغاء التوجيه، شدد النائب رفيق الصالحي، اليوم الأربعاء، على أن قرار التراجع “لن يثني العزيمة” عن تحقيق هدف تحويل الزبير إلى محافظة مستقلة.
وقال الصالحي في تصريح صحفي تابعته “الراية”: “قد نخسر جولة، ولكننا لن نفقد الإصرار، والزبير سيكون محافظة”، مؤكداً استمرار الجهود لاستكمال المسار القانوني والإداري الخاص بالمشروع.
الموانع القانونية والإدارية
يشير خبراء القانون إلى أن استحداث محافظة جديدة في العراق يتطلب عدة عناصر أساسية منها:
صدور قانون خاص من مجلس النواب يجيز الاستحداث ويحدد الصلاحيات الإدارية.
موافقة الحكومة الاتحادية بعد دراسات شاملة من وزارة التخطيط.
توفر توافق محلي، وهو غائب حالياً بسبب رفض مجلس البصرة والمحافظ.
ويؤكد المراقبون أن الدستور العراقي لم يضع نصوصاً واضحة بشأن آلية تقسيم المحافظات، ما يجعل أي محاولة استحداث محافظة جديدة معقدة ويحتاج إلى توافق سياسي واسع، وهو ما يفتقر إليه ملف الزبير حتى الآن.
المخاوف الاقتصادية والسياسية
التأثير الاقتصادي
خبراء الاقتصاد يحذرون من أن فصل الزبير عن البصرة قد يؤدي إلى “تجزئة الثروة النفطية”، إذ أن القضاء يعد من أغنى مناطق العراق بالغاز والنفط، وفصله قد يربك إدارة الموارد ويخلق خلافات حول العائدات بين الحكومة الاتحادية والمحافظة الجديدة.
ويقدر بعض الخبراء أن الموازنة اللازمة لاستحداث المحافظة، بما في ذلك البنية التحتية وإعادة توزيع الموارد البشرية، قد تصل إلى 200–250 مليون دولار في السنوات الثلاث الأولى، بحسب تقديرات تقريبية.
التأثير السياسي
يرى مراقبون أن استحداث محافظة جديدة قد يشجع مطالبات مماثلة في محافظات أخرى، مما يزيد من النزعة المناطقية ويهدد وحدة الدولة.
ويشير محللون إداريون إلى أن تكاليف استحداث دوائر جديدة ومؤسسات حكومية ستثقل كاهل الموازنة العامة، في حين يطالب الشارع بتحسين الخدمات وتطوير البنية التحتية الحالية.
أرقام السكان والموارد
يبلغ عدد سكان قضاء الزبير حوالي 400 ألف نسمة، ويحتضن عدداً من حقول النفط والغاز المهمة، إضافة إلى ميناء جديد قيد التطوير.
ويشكل السكان الأصليون والشريحة الشبابية النسبة الأكبر من المجتمع المحلي، مما يجعل أي تغيير إداري حساساً سياسياً واجتماعياً.
البصرة باقية موحدة
ورغم الجدل المستمر، فإن الزبير ما تزال جزءاً لا يتجزأ من البصرة، التي تحتفظ بوحدتها الإدارية واستقرارها الجزئي.
وبين صدور التوجيه وإلغائه، وبين تصريحات النائب الصالحي وموقف المحافظ العيداني، يبقى الملف معلّقاً، فيما يستمر النقاش حول موازنة مصالح التنمية والموارد مع الطموحات المحلية والسياسية، ليظل مستقبل الزبير أحد أبرز الملفات الشائكة في المشهد العراقي الحالي.
الخرائط الإدارية والتقديرات المستقبلية
حسب مراقبين، أي تقسيم إداري سيستلزم إعادة ترسيم الحدود بين البصرة والزبير، بما في ذلك تحديد مناطق النفوذ للأجهزة الأمنية، توزيع موارد البنية التحتية، ودمج الخدمات العامة. ويرى خبراء أن أي مشروع تحويل يحتاج على الأقل 5 سنوات لإتمام الترتيبات القانونية والإدارية والمالية، مع مراعاة مصالح السكان المحليين ومنع تعطيل المشاريع الكبرى في البصرة.