منذ أن قدّم نواب الكتلة الصدرية استقالاتهم من البرلمان العراقي في حزيران 2022، اختار زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر طريق الانسحاب من العملية السياسية بوصفه وسيلة للضغط من أجل الإصلاح الشامل.
وعلى مدى السنوات اللاحقة، ظلّ الصدر يؤكد في خطاباته وبياناته أن المقاطعة موقف مبدئي لا تراجع عنه إلا حين تتحقق شروطه المتمثلة في “إصلاح شامل وتغيير جذري للوجوه”.
الاستقالة: زلزال سياسي
في خطوة وُصفت بأنها سابقة في الحياة النيابية العراقية، وجّه الصدر نواب كتلته – الأكبر عدداً حينها – إلى تقديم استقالاتهم دفعة واحدة. وقد علّل الخطوة بأن “العملية السياسية لم تعد تستجيب لنداءات الإصلاح”، مؤكداً أن بقاء نواب التيار تحت قبة البرلمان لا يحقق تطلعات الشعب، بل يُشرعن الفساد والتبعية.
من الانسحاب إلى المقاطعة
بعد الاستقالة، تحوّل موقف الصدر إلى مقاطعة شاملة للعملية السياسية والانتخابية. وقد أعلن بوضوح أن المشاركة في الانتخابات المقبلة لن تكون ممكنة في ظل “استمرار الوجوه نفسها” و”غياب الاستقلال الوطني”، مشدداً على أن التيار لن يكون جزءاً من حكومة تقوم على المحاصصة أو تُدار من الخارج.
شروط الإصلاح والعودة
على مدى العامين الماضيين، كرّر الصدر شروطه للعودة إلى صناديق الاقتراع، محدداً أهمها في:
• تغيير الطبقة السياسية الحالية وإبعاد الوجوه التي ارتبطت بالفساد والتبعية.
• ضبط السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة.
• إصلاح بنية مؤسسات الدولة ومحاربة المحسوبية والولاءات الحزبية.
• استعادة حقوق العراق المائية والكهربائية والاقتصادية، ومنع فرض الأجندات الخارجية.
وأكد أن “البديل الحقيقي للمقاطعة هو الإصلاح الشامل وتغيير الوجوه، بل وتغيير العقول الجامدة، بطرق سياسية وقانونية بلا تدخلات خارجية”.
الانضباط الداخلي للتيار
حرص الصدر على أن تظل المقاطعة موقفاً موحداً داخل تياره، فأصدر بيانات صريحة بطرد أي عضو أو مرشح يخالف التوجيهات بالمقاطعة، مع التشديد على عدم الاعتداء عليهم، ولكن مع قطع العلاقة التنظيمية تماماً. وقد عكس ذلك إصراره على أن قرار المقاطعة ليس رأياً قابلاً للنقاش، بل التزام جماعي يُعبّر عن وحدة الموقف الصدري.
بين المقاطعة والمرونة التكتيكية
ورغم الإصرار العلني على المقاطعة، صدرت عن الصدر إشارات عملية تعكس واقعية سياسية، مثل دعوته أنصاره إلى تحديث بطاقاتهم الانتخابية، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها إبقاء على الجاهزية لأي تغيير محتمل في الموقف إذا ما فُتحت أبواب الإصلاح.
الموقف الأخير
وفي أحدث بياناته، أوضح الصدر – عبر لسان صالح محمد العراقي – أن مقاطعة الانتخابات ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لفرض الإصلاح. وجاء في البيان:
“البديل الحقيقي للمقاطعة، هو تبديل الوجوه الحالية شلع قلع، عسى أن تفتح أبواب الإصلاح ويغلق باب التبعية والانبطاح… وحينئذ سيكون المذهب بخير، وسيكون الوطن بخير”.
وبين الاستقالة التاريخية لنواب الكتلة الصدرية في 2022 والموقف الأخير المتمسّك بالمقاطعة، يظهر خط ثابت في مسار مقتدى الصدر: رفض المشاركة في انتخابات تُدار بالوجوه ذاتها، وإصرار على أن الإصلاح الشامل وتغيير الطبقة السياسية هو المدخل الوحيد لإنقاذ العراق.
ورغم تلميحات بمرونة تكتيكية، يبقى التيار الصدري حتى اليوم مصمّماً على أن لا عودة إلى العملية السياسية إلا بشروط “وطنية خالصة بلا تبعية ولا خنوع”.